الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كتاب العلم **
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الحسد خُلق ذميم وهو: تمني زوال نعمة الله على الغير. وقيل: الحسد كراهة ما أنعم الله به على غيره. فالأول هو المشهور عند أهل العلم، والثاني هو الذي قرّره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فمجرد كراهة ما أنعم الله به على الناس يعتبر حسدًا، والحسد محرم لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عنه وحذر منه، وهو من خصال اليهود الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. والحسد مضارهُ كثيرة: منها: أنه اعتراض على قضاء الله وقدره وعدم رضا بما قدره الله عز وجل؛ لأن الحسد يكره هذه النعمة التي أنعم الله بها على المحسود. ومنها: أن الحاسد يبقى دائمًا في قلق وحرقة ونكد، لأن نعم الله على العباد لا تحصى، فإذا كان كلما رأى نعمه على غيره حسده وكره أن تكون هذه النعمة حالة عليه، فلابد أن يكون في قلق دائم وهذا هو شأن الحاسد والعياذ بالله. ومنها: أن الغالب أن الحاسد يبغي على المحسود فيحاول أن يكتم نعمة الله على المحسود أو يزيل نعمة الله على هذا المحسود فيجمع بين الحسد وبين العدوان. ومنها: أن الحاسد فيه شبه من اليهود الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. ومنها: أن الحاسد يحتقر نعمة الله عليه؛ لأنه يرى أن المحسود أكمل منه وأفضل فيزدري نعمة الله عليه، ولا يشكره سبحانه تعالى عليها. ومنها: أن الحسد يدل على دناءة الحاسد، وأنه شخص لا يحب الخير للغير؛ بل هو سافل ينظر إلى الدنيا، ولو نظر إلى الآخرة لأعرض عن هذا. ولكن إذا قال قائل: إذا وقع الحسد في قلبي بغير اختياري فما هو الدواء؟ فالجواب: أن الدواء يكون بأمرين: الأول: الإعراض عن هذا بالكلية، وأن يتناسى هذا الشيء، وأن يشتغل بما يهمه في نفسه. الثاني: أن يتأمل ويتفكر في مضار الحسد، فإن التفكر في مضار العمل يوجب النفور منه، ثم يجرب إذا أحب الخير لغيره واطمأن بما أعطاه الله، هل يكون هذا خيرًا، أم الخير أن يتتبع نعمة الله على الغير ثم تبقى حرقة في نفسه وتسخطًا لقضاء الله وقدره، وليختر أي الطريقين شاء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
|